أشرف سماره*
شهد العقد الأخير من القرن الماضي، ولادة جيل جديدة من نجوم كرة السلة الأردنية، تمكن من تحقيق إنجاز نادر، تمثل في التأهل إلى نهائيات كأس العالم للشباب.
تمتع هذا الجيل بإمكانيات فذة، بقيادة المدرب والأسطورة مراد بركات، وبرز أشرف سمارة، كواحد من ألمع نجوم هذا الجيل، بفضل قدراته المميزة وشراسته التنافسية التي التصقت باسمه طوال مسيرته، وحولته إلى أبرز “المقاتلين” على أرض الملعب، وأبرز المدافعين عن سمعة كرة السلة الأردنية.
رحلة طويلة قضاها سمارة مع الكرة البرتقالية، تنقل فيها بين أكثر من ناد محلي، وخاض أيضا تجربة احتراف غنية في الكويت، ومثل المنتخب الوطني لسنوات عديدة، قبل أن يعلق حذاءه السلوي، دون أن يبتعد عن اللعبة التي لطالما تعلق بها، فتحول إلى إعلامي متخصص يشار إليه بالبنان، ومعلق شغوف، ربما يعتبر الأبرز في المنطقة حاليا، بشهادة المتابعين والمتفرجين.
ينظر سمارة إلى مسيرته كلاعب، بعين الفخر والكبرياء، فهو اللاعب الذي لم يدخر جهدا في كل لقاء شارك فيه، لكنه وكغيره من “المقاتلين”، كان يتمنى أن يحفل مشواره بإنجازات أكبر، وقال سمارة في مقابلة مع “الغد”: “الحمد لله لعبت بإخلاص وفاء خلال مسيرتي مع المنتخب الوطني والأندية التي لعبت لها، كنت في واحد من أفضل الأندية (الأرثوذكسي) وسيطرنا على لقب الدوري الأردني من العام 1995 ولغاية 2002، باستثناء موسم واحد غاب فيه معظم لاعبي الفريق لأسباب مختلفة وأنا منهم (كان وقتها في الولايات المتحدة الأميركية)، لعبت كذلك مع القادسية الكويتي وفزت معه بالبطولات كما لعبت لزين (فاست لينك سابقا) وفزت ببطولة الدوري معه وبطولة آسيا للأندية أيضا، وتشرفت بتمثيل وطني الحبيب الأردن في كأس آسيا 3 مرات”.
وأضاف: “نعم أشعر بالرضا ولكن علي الاعتراف بأنه كان في الإمكان أفضل مما كان، لكن بشكل عام أفتخر بمسيرتي على مدار السنوات مع الأرثوذكسي وفاست لينك والعلوم التطبيقية والقادسية الكويتي والمنتخب الوطني”.
عاصر سمارة أجيالا مختلفة في كرة السلة الأردنية، وحظي دائما باحترام زملائه، واستعرض أبرز المحطات في مشواره قائلا: ” تشرفت بأنني لعبت في الدوري الأردني للرجال وكان عمري آنذاك 16 سنة، ولعبت ضد الأساطير مراد وهلال بركات وناصر بشناق، تم اختياري لمنتخب تحت 22 عاما في ذلك الوقت وكنت أصغر لاعب في صفوفه، أما المحطة التي أعتز بها فهي التأهل مع منتخب الشباب إلى كأس العالم 1995، إضافة إلى مشاركاتي 3 مرات مع المنتخب الوطني للرجال في بطولة آسيا، كما كنت من هدافي المنتخب في بطولة وليم جونز 1998، وافتخر أيضا بالمشاركة مع المنتخب الوطني في دورة الحسين (دورة الألعاب العربية العام 1999 التي استضافها الأردن)، لأنها حملت إسما غاليا علينا جميعا كأردنيين، تشرفت بارتداء القميص رقم 8 في بطولات كأس الملك عبدالله الثاني التي كانت تعني لنا الكثير لأنها على أرضنا وبين جماهيرنا”.
المشاركة في كأس العالم للشباب العام 1995، كان لها طابعا خاصا بالنسبة لسمارة، خصوصا وأنها كانت أول مشاركة “مونديالية” في تاريخ السلة الأردنية، ولعب إلى جانب مجموعة من اللاعبين الذين قادوا الجيل الجديد وعلى رأسهم زيد الخص ومعن عودة وفادي السقا وإيهاب إمسيح ومحمود شعبان.
وخاض سمارة مباريات المنتخب الثماني في البطولة التي أقيمت في اليونان، وبلغ معدل نقاطه 6.1 في المباراة الواحدة إلى جانب معدل متابعات يبلغ 4.8 متابعة.
ويتذكر سمارة هذه المحطة المضيئة قائلا: “لعبنا ضد المنتخب الأميركي الذي كان يضم لاعبين تحولوا فيما بعد إلى أساطير ومنهم فينس كارتر لاعب أتلانتا هوكس الحالي وأكبر لاعبي NBA سنا، وخسرنا بعدما قدمنا أهم مبارياتنا في البطولة التي شكلت بشكل عام ميلادا حقيقيا لجيل جديد من لاعبي كرة السلة، خصوصا أن جميعنا كنا في عمر 18 سنة”.
مع مرور الوقت، اختلف أسلوب لعب سمارة، ومال المدربون إلى منحه أدوار دفاعية أكبر، خصوصا في ظل مشاركة اللاعبين الأجانب بالدوري المحلي، لكن ذلك لم يخف نهمه في الوصول إلى السلة، فسجل في إحدى مباريات الدوري 50 نقطة لصالح الأرثوذكسي بسلة الوحدات، ويتذكر بفخر المعارك العديدة التي استمتع بها في الملعب أمام مجموعة من أهم لاعبي كرة السلة الأردنية، وعند سؤاله عن أبرز اللاعبين الذين استمتع باللعب أمامهم، أجاب: “كانت أدواري مرتكزة على الدفاع أمام لاعبي الارتكاز الهدافين في الفرق الأخرى، زيد الخص كان من أهمهم، وكذلك حسام لطفي وموسى بشير من الجزيرة، ثم لاعبي الأرينا آنذاك زيد وإسلام عباس، كل تلك الأسماء كانت رنانة ومميزة واللعب أمامها صعب”.
قبل أسابيع قليلة، اعترف نجم المنتخب اللبناني وائل عرقجي في حديث له مع قائد المنتخب الوطني السابق سام دغلس، بأن زميله السابق في فريق الرياضي اسماعيل أحمد قال له أن سمارة كان “بيكسرنا”، في إشارة إلى الأسلوب الدفاعي المستميت الذي انتهجه، وعلق سمارة على ذلك بقوله: “إسماعيل أحمد من أهم اللاعبين العرب في تاريخ اللعبة، أتذكر في مواجهة الأردن ومصر بنهائي دورة الحسين، كانت مهمتي دفاعية ضده، تكررت مواجهتنا دائما على مستوى الأندية في مختلف البطولات، نعم كان اللعب البدني القوي هو منهجي داخل أرض الملعب، وأعتز أنني واجهت أسطورة بحجم اسماعيل أحمد يوما ما وحاولت إيقاف لاعب بحجمه، كان لا بد من الدفاع القوي على النجم الكبير والخلوق”.
من المباريات التي يتذكرها جمهور كرة السلة الأردنية لسمارة، تلك التي جمعت بين المنتخب الوطني ونظيره السوري في نصف نهائي الدورة العربية قبل 21 عاما على صالة الأمير حمزة بمدينة الحسين للشباب، وحينها أبدى اللاعبون السوريون انزعاجهم من الأداء البدني القوي لسمارة، وأبرزهم النجم أنور عبد الحي الذي تعرض لضربة غير متعمدة على رأسه.
لكن سمارة أكد أنا ما حدث في تلك المباراة، لم يؤثر إطلاقا على صداقته بعبد الحي، مشيدا في الوقت ذاته بالقدرات المتنوعة للاعب السوري، وقال: “مباراة تاريخية بطبيعة الحال، أولا على مستوى الحضور الرسمي والجماهيري، وثانيا لما تعنيه هذه المباراة نحو التأهل إلى المباراة النهائية واللعب على الميدالية الذهبية. أجواء أكثر من رائعة، من 8 إلى 9 آلاف متفرج وحضور مبكّر منذ صباح اللقاء، شحن وطني كبير. الحمد لله استطعنا بجماعية النشامى تحقيق الفوز بعدما كنا متأخرين، وأنور عبد الحي النجم العربي السوري الذي اعتز به وتربطني به صداقة، كان مرهقا لجميع المنتخبات في البطولة، نعم كانت هناك حادثة مرت وذهبت داخل حدود المباراة، حادثة مرت وذهبت، والذي يحصل في الملعب يبقى في الملعب”.
بعد اعتزاله اللعب، وجد سمارة نفسه أمام فرصة لمواصلة علاقته مع الكرة البرتقالية، لكن هذه المرة كمعلق ومحلل ومعد للبرامج التلفزيونية، ويشرح سمارة كيف بدأ مشواره في الإعلام الرياضي بقوله: “كان الأمر مفاجئا للبعض، أحببت العمل التحليلي في بطولة دبي العام 2010، وكان بمثابة انطلاقتي في العمل التلفزيوني بجميع أشكاله”.
وتابع: “كانت البدايات ممثلة في التعليق على مباريات كرة السلة، وتحولت بعدها للكرة الطائرة وكرة اليد، ثم إعداد وتقديم البرامج والاستوديوهات والحلقات التلفزيونية، إضافة إلى تغطيات لكأس العالم ودوري أبطال أوروبا والبطولات الأسيوية والإفريقية والعربية، بالإضافة لتغطية أهم حدثين هما الألعاب الأولمبية في لندن وريو دي جانيرو، ووجدت نفسي وقتها استضيف البطل الأولمبي سامر كمال للحديث عن إنجاز بطل أولمبي آخر هو أحمد أبو غوش”.
وأردف: “أقوم بتغطية الدوري الإسباني وبطولات كرة السلة العربية والأسيوية.. أتشرف بالعمل في قناة دبي الرياضية ولي تجارب ومحطات مع مختلف القنوات العربية في كل مكان عبر السنوات الطويلة”.
رغم مرور فترة طويلة على اعتزاله، بقي سمارة وفيا للمنتخب الوطني، فسافر العام الماضي إلى الصين، لمساندة الفريق في مشاركته المونديالية الثانية بكأس العالم للرجال، وعن ذلك قال: “كان شعورا رائعا أن يكون منتخب بلدك في أكبر تجمع كرة سلة في العالم، في مونديال النجوم، وفي أهم دول المعمورة. أحببت أن أكون خلف المنتخب في أكثر من مدينة صينية لمؤازرتهم وتشجعيهم ولأكون شاهدا ربما على عصر يبدع فيه الدويري، يتألق فيه فريدي والعوضي وحمارشة وعابدين، جيل مميز بدون شك ويستحق كل الدعم. بالنسبة للمستقبل فهناك أسماء مثل أبو حواس وسامي بزيع وأبو وزنة، مع تاكر أو مجنس آخر في قادم الأيام، إن شاء سنراها في كأس العالم المقبلة أيضا”.
وقدم سمارة النصح للاعبين بشأن كيفية استثمار فترة الحجر الصحي في المنازل حاليا، والخروج بأقل الأضرار من الناحية الرياضية، خصوصا في ظل توقف البطولات والمنافسات، وقال: “في البداية اقتبس كلمات جلالة الملك المعظم.. شدة وبتزول، حفظ الله الأردن ومليكه وشعبه، أتمنى أن تزول هذه الغمامة عن البشرية جميعا إن شاء الله. بالنسبة للاعبين اعتقد أن لديهم من الخبرات ما هو كاف لممارسة التمارين الرياضية المنزلية وتمارين القوة والتحمل وإطالة العضلات وتمرينات عضلات البطن وما شابه، والأهم المحافظة على أسلوب حياة صحي ونظام غذائي متوازن، والأكثر أهمية أن تتعلم كيف تخرج من أي أزمة بشكل أفضل بل تحول الأزمات لدوافع تجعلك اقوى وأن تكون إيجابيا دائما”.–ايمن ابو حجلة – الغد