نبيل التلي
**حمل زيد وغيث الكرة وذهبا الى جدهما ليسألا عما اذا كان اباهما سيلعب في مباراة تكريم كامل منيب أم لا ، فقال الجد «نعم» وكان ذلك كافيا لينهمر سيل من الأسئلة الفضولية الطفولية وفي مطلعها «وانت يا جدو ما بدك تلعب»!
**الجد سبق ولعب كثيرا حتى مل اللعب، وتسجيل الاهداف وسيكون على الجيل الثالث ان تكمل المسيرة يوما ما.
المسيرة التي بدأت من فيلم رعب طويل ومشوق اسمه «الشياطين الحمر» وفي مشهدي الافتتاح والختام، كان لا بد من وجود حتمي للنجم المفضل نبيل التلي حيث تطفو على سطح الذكريات أهدافه تحركاته وتمريراته والاهم أخلاق هذ النجم الذي بات ايقونة ناد لا يذكر إلا مقرونا باسمه في العلن والدعايات الانتخابية او حتى في التكريم الصادق ..
** بات كـدي ستيفانو ريال مدريد وبرتغال ايزيبيو وخطيب الاهلي، فتماهى نبيل والجزيرة في الشكل واللون والمضون … فصار نبيل الجزيرة و الجزيرة نبيل المولود 12/3/1951، والاب لـ «زينة و حلا و سناء و ايمان وسعيد» ..
**كلهم معا صاروا القصة والرواية التي يمكن قراءة بعض من سطور فصولها «مررت لي كرة طويلة في مباراة منتخبنا ضد سوريا.. ركضت باتجاهها وحولي محمد دهمان وابراهيم محلمي قلبي الدفاع السوري الذي اجتزته لافاجأ بالحارس عبد الناصر عباسي – صديق عمري – خارجا لاتقاط الكرة ، ولما حاولت تفاديه بالقفز عاليا ارتطمت ركبتي اليمنى بجبهته ولما رفعتها لحقت به مسببة خسفا في الجمجمة للداخل بعمق 3سم وعلى الفور نزف دم من كل مكان في وجهه وحتى من اذنيه وانفه «ارتعش كـ ديك مذبوح» كانت تلك اكثر مأساة كروية في حياتي واثرت علي واصابتني باكتئاب لثمانية شهر ومنعتني من اللعب حتى شفي من الإصابة وعاد للملاعب.
**كانت تربطنا صداقة حميمة حتى انني عندما عدته بالمستشفى لأطمئن عليه سألته (كيفك) فقال لي (كيف رجلك) .. لقد كان خائفا علي ايضاً!
وكفريق ولكثرة لقاءاتنا سويا كنا اصدقاء لدرجة ان حكم المباراة قال انه يشعر بإرتياح بعدما رأى الكل يمازح الأخر… كان ذلك في التصفيات لاولمبياد موسكو 80… وكانت تلك اكبر مأسة اراها واتسبب بها في حياتي.
**على الجهة المعاكسة فإن يوم 14/10/84 لم يكن يوما عاديا في حياتي… كنت في عملي وجاءت ضربات الهاتف لتحمل لي نبأ سعيدا لقد ابصر سعيد الدنيا وصرت ابا لأول ابن بعد «زينة» يومها كان علينا ملاقاة الفيصلي فقال لي المرحوم الدكتور بسام هارون بعد ما علم بالنبأ «نفس الرجال يحي الرجال»…. يومها قدمت مباراة للذكرى! وفزنا بهدف نزيه سرور وهدفي الذي كسرت به حالة التعادل التي أحدثها جمال ابو عابد.
**رغم الالم الا ان النهايات السعيدة كانت حاضرة حين «داهمتني «انفلونزا» حادة اقعدتني السرير ليلة مباراتنا الودية مع الكرامة الحمصي… لقد شللت تماما لكني صحوت على صوت والدتي تقول لي «قم لتناول كأس الليمون الذي اعددته لك» ولما صحوت واشعلت امي نور الكهرباء نظرت الى جانبي فوجدت كل زملائي اللاعبين ومعهم المرحوم بسام هارون وقد اسعدني وجودهم وشحنني بشحنات طاقة زائدة ساعدتني في الذهاب للعب المبارة التي قمت بالاحماء لها في غرفة خاصة حتى ان «بدلة» التدريب خلعتها مع صافرة انطلاق المباراة التي سجلت فيها هدفاً بالشوط الأول كلفني الخروج على نقالة الإصابة لتلقي العلاج لأكثر من ربع ساعة حتى ان الشوط الأول انتهى وأنا أتلقى العلاج فقد أكملت الشوط الثاني وأنا مصاب لكن الله وفقني واحرزت اربعة أهداف لنفوز بالنهاية (4/2) كانت ليلة صعبة… لكن نهارها كان «فل الفل»!!
** أما يوم توفي خالي «محمد سليم كشورة» فقد كان علي الذهاب بعد الانتهاء من مراسم الدفن للملاعب حيث لقاؤنا الهام مع نادي الجيل عام 79… لقد فازوا علينا 2/1 لكن الهدف الذي سجلته ظل عالقاً في الذاكرة واستحوذ على الاهتمام أكثر من الفوز
** لقد طرت في الهواء لألعب الكرة العرضية على طريقة «الدبل كيك- لعبة مزدوجة» بشباكهم،… وما أثار اهتمامي هو ركض ثلة من لاعبي الجيل على رأسهم «محمد نور وعماد زكريا وسميرمولود» لتهنئتي حتى قبل لاعبي الجزيرة… ايامها كان الهدف جميلاً… والرياضة أجمل… وأخلاق اللاعبين أجمل وأجمل!».
**في خانة الذكريات يعرض التلي يوما صعبا اخر في حياته ذلك انه حين «انتشر الطاعون في الهند مطلع التسعينات فخاف اغلب المضيفين والطواقم الفنية من السفر لهناك خوفاً من العدوى… وقد وضعت أسمي على رأس القائمة لأسافر حتى يشعر باقي الموظفين بالاطمئنان وهذا ما حدث وقمت بأول رحلة للملكية متوجهاً إلى الهند بعد إعلان البلدة تفشي وباء الطاعون».
**ليس بعيدا جغرافيا عن الهند وتحديدا من اليابان فقد تعلمت من طفل صغير درسا بالاحترام ففي إحدى رحلاتنا لليابان كان هناك طفل صغير مسافر مع امه في رحلة خاصة «كنت اداعبه ويحادثني بالإشارة وكانت امه تأمره بأن يخفي رسه للأسفل لتعلمه احترام الاكبر منه سناً… كانت الحضارة والاحترام والأخلاق تراثا وتقاليد عندهم… أكثر منها ادعاء او تكنولوجيا» .
**لم يشأ التلي اقفال صفحة الذكريات الا وهو كاتب في السطر الاخير «كنا اقل الفرق استعداداً لبطولة درع الاتحاد الأولى عام 80 ولم يكن أحد من النقاد الرياضيين يرشحنا للبطولة باستثناء الاستاذ عبد المنعم ابو طوق.. اثناء المباراة طلب مني ان انفذ ركله جزاء وانا الذي كنت مشهوراً باضاعتها لكن وبعد ما خلع حسين ابو غيث حذاءه وخرج انور العيساوي «لتأكدهما ان البطولة عيدت» ليجلس مع الجمهور كان لا بد ان اسدد ولم اكن خائفاً.
** اذكر ان د.بسام هارون قال لي عندما ذهبت لاسدد بأن الدرع ضاع ولما نجحت كان علي ان انجح في اقناع فراس القاضي بالتسديد فهو قال لي بأنه صغير وغير مستعد ليخسر جمهوره ان اضاع الكرة ولكن عندما تصدى اكرم الداوود للكرة قلت له بان هناك فرصة ان اضعت وانها ليس نهاية العالم.
كما قلت للاعبينا بأن عليهم ان يستعدوا للركض باتجاه فراس فان سجل حملناه وان اخفض وقفنا بجانبه كي لا يفقد اعصابه وقد نجح بالفعل وفزنا بأول درع للاتحاد في ليلة رمضانية ركضت فيها كما لم اركض من قبل لدرجة انني لم انم من الارهاق وذهبت للدوام وانا شبه نائم .. في ذلك اليوم صعدت للمنصة لاستلام الدرع ولما نظرت لرئيس النادي المرحوم عامر المفتي طفرت من عينه دمعة ولحقتها اختها من عيني .. لقد كان نصراً متوجاً بدموع العاشق المشتاق».