مصطفى العدوان1*
شخصية قيادية، نهلت من مضارب العدوان الشهامة والرجولة والمواقف، وتعلم في مدرسة الوطن أروع معاني الوفاء للأردن والقيادية الهاشمية، ورسم لنفسه شخصية قل نظيرها في الوسط الاجتماعي والرياضي، وهو المولود في الأول من شهر أيار (مايو) للعام 1942، وتنقل في تعليمه بين الكلية العلمية الإسلامية ومدارس تراسنطة، عشق كرة القدم مثل الكثير من أقرانه، وتميز بمهارته وحنكة القائد صغيرا، ودارت أحلامه مع المستديرة التي أوصلته الى صفوف فريق الفيصلي لاعبا في العام 1959، وشكل رقما صعبا في تشكيلة “الأزرق” والمنتخب الوطني، وشغل مركز الهجوم ببراعة، وشهد له أقرانه بقدراته التهديفية، وحسن التمركز، وشارك صفوف المنتخب الوطني في عدة تصفيات لكأس العالم، وزف وزملاؤه العديد من الألقاب الى العرين الفيصلاوي، والذي ودعه لاعبا قسرا، تبعا للاصابة اللعينة التي لحقت به –الرباط الصليبي-، حيث لم يكن الطب متقدما كما في الوقت الحالي، ما اضطره الى وداع معشوقته المستديرة في وقت مبكر، واعتزل اللعب في العام 1969، ليتجه بعدها للعمل الإداري في ناديه الأم –الفيصلي- واتحاد كرة القدم.
العدوان… رسالة المواهب
كتب الراحل مصطفى العدوان، الى جانب عدد من النجوم، تاريخ الكرة الأردنية بالألق مع جيل الستينيات، وبرزوا بمهارتهم الفطرية، وصدق انتمائهم للنادي الذي لعبوا له، وبرعوا في صفوف المنتخب الوطني، حيث يلفظ أرشيف الكرة الأردنية، أسماء ذلك الرعيل بالفخر والاعتزاز، وهو الجيل الذي لقب بجيل المواهب، لاسيما مصطفى العدوان، محمد ابو العوض، جودت عبد المنعم، علي الشقران الذي كان يلقب بـ”الجو” من سرعته الهائلة، سلطان العدوان الذي انتقل من الجزيرة الى الفيصلي في صفوف”الأزرق”، موسى النحاس الذي لعب للفيصلي والجزيرة وعصام الشربجي الذي لعب ايضا بالجزيرة، وظهر للاهلي حسونة يدج، محمد الحاج، طوني زغلول ومظهر السعيد، فيما ظهر بالقوقازي الدكتور ابراهيم موسى، الدكتور احمد موسى، جمال حميد والياس عكاوي بفريق الشباب، محمد قاسم سمارة للرمثا، وتميز في هذا العصر حراس المرمى العمالقة، عبدالكريم ابوعياش الذي لعب للفيصلي والجزيرة، الى جانب نادر سرور والاسطة غاوي للأهلي ومحمود الدرابسة للأهلي.
العدوان… عطاء وطني
ورغم أن الكرة الأردنية من خلال المنتخب، احتاجت الى بعض الوقت للظهور عربيا، ولم يكن بالمستوى المطلوب قبل العام 1963، وكانت الخسارة تلاحقه، إلا انه وبفضل تعدد المواهب ولا سيما الأسماء التي ذكرناها أعلاه، ومنها المهاجم والقائد الميداني مصطفى العدوان، ليبرز نجم المنتخب الوطني بعد ذلك، وأصبح بهمة العدوان ورفاقه يحسب لها الف حساب بعد العام 1965، ولعل ما يؤكد ذلك، اختيار النجمين عبد الرؤوف الكيلاني وطوني زغلول ضمن صفوف منتخب العرب عام 1965، ليكتب الراحل مصطفى العدوان ورفاقه من المواهب، التاريخ الحقيقي لظهور الكرة الأردنية عربيا بلغة الوفاء والعطاء للوطن.
العدوان… بصمات ورسائل
بصمات الراحل مصطفى العدوان ماثلة في تاريخ الكرة الأردنية، كما أنه برع داخل المستطيل الأخضر، كان يشار بالبنان الى حنكته، حيث تولى الراحل منصب نائب رئيس اتحاد كرة القدم في حقبة الرئيس الراحل فخري البلبيسي، وعاد ليتولى رئاسة النادي الفيصلي اثناء تواجد شقيقه الاكبر الراحل سلطان العدوان في سدة القرار لاتحاد الكرة، ليجسد الراحل مصطفى العدوان انموذجا يحتذى به، في خدمة الكرة الأردنية سواء في مجلس إدارة اتحاد الكرة، أو في ناديه مسطرا به وشغفه بـ”المستديرة”، وقدم بتفان لرفعة سوية الكرة الأردنية، واجتهد في ناديه لتوفير احتياجاته المالية، ورفد خزينته لرعايته فرقه في مختلف الفئات العمرية، رغم الظروف الاقتصادية والحياتية الصعبة في ذلك الوقت، حين كانت الأندية تعتمد على الاعمال الخيرية، والتبرعات لرفد خزينتها المالية، على عكس الوقت الراهن في ظل تواجد شركات عملاقة قادرة على رفد الأندية بالعديد من اشكال الدعم، ولعل “كاريزما” العدوان القيادية، واحترامه لكل قابله، وتعامله على سليقته وطيب خلاقه واصالته، وجعله يفرض احترامه على الجميع، ويقود الفيصلي من نجاح الى نجاح.
العدوان.. موقف من الذاكرة
مصطفى العدوان رحل، ولكنه ترك ارثا كبيرا من الأخلاق والنخوة والشهامة، ما تزال صداها تتردد في أعماق كل من عرفه، ولعل من المواقف النبيلة للراحل العدوان، واثناء توليه رئاسة النادي الفيصلي، أن أحد اللاعبين حضر متأخرا عن التمرين، فسأله العدوان-رحمه الله-: لماذا تأخرت؟ فقال اللاعب: انت تعلم انني أتحضر لحفل زفافي، وأبحث هنا وهناك لشراء أثاث البيت وحاجياته، فطلب العدوان من اللاعب المفتاح، وعرف بطريقته أين بيت اللاعب، وعقب الوجبة التدريبية، دعا الراحل العدوان إلى اجتماع سريع لمجلس الإدارة وقتها، وخصص الاجتماع لجمع الدعم المالي للاعب ومساعدته في التحضير لزفافه، وفي اليوم التالي تم تسليم اللاعب بيته دون إخباره بأي شيء، ليتفاجأ اللاعب عند ذهابه لبيته، وقد تم تجهيزه من غرفة النوم، وغرفة الضيوف وكافة احتياجات بيته على نفقة النادي، كنوع من الدعم وتأكيد روح الأسرة بين اركان النادي.
رحيل قامة وطنية
كان يوم الأربعاء 20 أيار (مايو) في العام 1992، حزينا على الأسرة الرياضية، حين انتقل القامة الرياضية الوطنية مصطفى العدوان الى جوار ربه، إثر ازمة قلبية حادة تم نقله على إثرها الى مستشفى الشميساني، وتم تحويله للمدينة الطيبة، وما لبث وان فارق الحياة، لتقام للراحل مصطفى العدوان جنازة مهيبة وبيت عزاء استمر لمدة اسبوع، وشارك وقتها جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال –طيب الله ثراه- في تقديم واجب العزاء، فيما انتدب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، السفير الفلسطيني في عمان، لتقديم واجب العزاء برحيل القامة الوطنية الرياضية الراحل مصطفى العدوان، والذي بقيت رسائل عطائه ووفائه وحنكته وقيادته تدرس في مدرسة الحياة الاجتماعية والرياضية الى يومنا هذا.–الغد