جلال علي*
كتب:ابو اليزيد غيث
ما أن يذكر النقاد والمحللون عبارة ” لاعب مساك ” حتى تعود الجماهير الخضراء بذاكرتها إلى الوراء ثلاثة عقود من الزمان لتتذكر أحد أبناء الزمن الجميل في المسيرة الخضراء ،،، لاعب اشتهر بفدائيته العالية في أرض الملعب مشكلا رقما صعبا في حسابات المهاجمين المحليين والعرب على حد سواء ،،، فلا أحد كان يجرؤ على التلاعب بالكرة على مقربة منه ، وكان صاحب حظ من يتحصل على كرة هوائية يشاركه فيها هذا المدافع الشرس،،، وكثيرا ما منع أهدافا من دخول مرمى الوحدات بفرملاته الجريئة على أرض غير عشبية نالت منه بلا هوادة . ومرات عديدة تلك التي استسلم من خلالها بعض الهدافين لرقابة هذا المدافع الرائع ،،، فمن النادر أن تجتمع القوة البدنية والفدائية العالية والدقة في تنفيذ العاب الهواء بما فيها ” الدبل كيك ” في مدافع واحد ،،، وبكل أمانة نقول من فاته متابعة مهارات هذا اللاعب الدفاعية ، فاته الاستمتاع بما هو أجمل من الأهداف في كثير من الأحيان بل يحق لنا أن ندعي اختفاء المدافع ” المساك ” الحقيقي من الملاعب الأردنية بأفول نجم هذا اللاعب الذي تذكرته الجماهير الخضراء كثيرا في السنوات الأخيرة ، كيف لا والشاعر يلخص لسان حال الجماهير بقوله ” وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ” ،،،
ذلك هو ” الفدائي ” جلال علي اللاعب الذي انتقل الى القلعة الخضراء في موسم ١٩٨٣ قادما من نادي صور باهر مقابل بضع مئات من الدنانير أدركنا لاحقا أنها ثمن زهيد كان يستحق عشرات اضعافه قياسا بدوره في تمتين الجبهة الدفاعية للأخضر واغلاق ثغرة دفاعية كانت تكلفنا الكثير في المباريات الهامة بعد تراجع أداء الكباتن مصطفى ايوب ووليد قنديل ،،، وقد كتب جلال علي مع زملائه يوسف العموري ورائد عساف وناصر الحوراني حكاية جميلة في الدفاع عن مرمى الوحدات وهم ذاتهم من تألقوا مع منتخبنا الوطني أيضا في النصف الثاني من الثمانينيات مع استثناء بسيط حيث الجزراوي عصام التلي بدلا عن ناصر الحوراني ،،،
وقد لعب خط الدفاع الحديدي للوحدات بقيادة جلال علي دوره بالفوز بالعديد من البطولات بين عامي 1985_1991 أهمها بطولتي دوري 1987 و 1991 وبطولتين في كأس الاردن وبطولتين في درع الاتحاد وبطولة كأس كؤوس مع التنويه بالتحاق المدافع يوسف الشمري بالفريق اواخر الثمانينيات قادما من نادي القوقازي ليدعم العمق الدفاعي للفريق ،،، وفي ذات الوقت أبدع الكابتن جلال علي ورفاقه في صفوف منتخبنا الوطني وبخاصة في تصفيات أمم اسيا ١٩٨٨ التي أقيمت في ماليزيا وكان منتخبنا على وشك التأهل لولا فارق الأهداف الذي حسم البطاقتين لحساب المنتخبين الياباني والكويتي وهنا أذكر أن منتخبنا لعب أربع مباريات ولم يدخل مرماه سوى هدف وحيد وهذا دليل على قوة خط الدفاع انذاك حيث تعادل مع أصحاب الارض ماليزيا (0-0) وبنفس النتيجة مع الكويت وتعادل مع اليابان (1-1) وفاز على باكستان (1-0) ،،، وكذلك قدم منتخبنا مستويات رائعة في تصفيات كأس العالم ١٩٩٠ والتي أقيمت بنظام الذهاب والاياب ولكن امكانات المنتخبين القطري والعراقي ونجومهما وقفت حائلا أمام تطلعات منتخبنا ،،،
ومن الذكريات الرائعة للفدائي ، وهو اللقب الذي اطلقته الجماهير على الكابتن جلال ، تحضرني حادثة في نهائي كأس الأردن 1988 وكانت أمام الفيصلي وانتهت بفوز الوحدات 2-0 ،،، ويومها كلفه المرحوم عزت حمزة بمراقبة المهاجم الأمهر في تاريخ الكرة الأردنية المرحوم خالد عوض وقد استطاع جلال احكام سيطرته على كافة تحركات عوض ومنعه من ممارسة هوايته في المرواغة والتوغل من خلال التلاعب بالكرة حيث كان جلال يفرمل على الكرة بمجرد استلام المرحوم خالد لها وهو الأمر الذي استفز عوض بحجة أن الحكم يتساهل مع جلال في حين كان حكم اللقاء يرى بأن تدخلات جلال قانونية طالما أنه يخلص الكرة ، ومع تواصل هذا الحال تقدم الوحدات بهدفين للنجمين جهاد عبد المنعم ووليد خاص وقبل نهاية المباراة بدقائق فرمل جلال على خالد عوض قرب زاوية الملعب لتخرج الكرة الى ركلة زاوية وهنا غضب المرحوم خالد من الحكم لكونه لم يحتسب مخالفة على جلال وظل خالد يمشي على خط الملعب باتجاه منتصف الملعب في وقت كان فريقه ينفذ ركلة زاوية وذلك تعبيرا عن غضبه على حكم اللقاء ،،، والملفت للانتباه أن جلال علي أكمل تلك المباراة معصوب الرأس بسبب جرح عميق نتج عن اصطدام غير متعمد مع جمال ابو عابد ، وقد نزف جلال كثيرا في تلك المباراة التي ربما كانت أفضل مبارياته المحلية على الاطلاق ،،، وإحدى الصور أدناه تؤكد هذه الحادثة حيث العصبة البيضاء التي تطوق رأس اللاعب الذي يمكن وصفه ب ” الانتحاري ” بكل ما تحمل الكلمة من معنى ،،،
وفي حادثة أخرى أمام المنتخب القطري في تصفيات كأس العالم 1990 كُلف الكابتن جلال علي بمراقبة مهاجم قطر الأميز في تلك الفترة محمود الصوفي صاحب الرأس الذهبية ، وقد راقبه جلال كظله وقطع عنه الماء والكهرباء حتى الدقيقة التسعين والتي كانت تشير الى تقدم منتخبنا بهدف سجله المرحوم خالد عوض من ركلة حرة مباشرة ،،، فقد حدث أن أصيب جلال علي في الدقيقة الأخيرة من عمر المباراة ليستغل محمود الصوفي خروج جلال ويصطاد مرمى ميلاد عباسي برأسية بارعة صعقت أكثر من ٣٠ الف متفرج غصت بهم مدرجات ستاد عمان و قضت على أمال منتخبنا رسميا في تلك التصفيات ،،،
وفي النهاية نؤكد بأننا نسرد هذه الذكريات وكلنا فخر بما قدمه الكابتن جلال علي للوحدات ومنتخبنا الوطني من تضحيات ،،، ويكفينا ان نتذكر عدم تأخره ولو لمرة في الفرملة أو لعب ” الدبل كيك ” على أرضية الترتان الصلبة مع ما في ذلك من خطورة وهو الذي تحدث ذات مرة قائلا ” لطالما لبست ” الدشداشة ” حتى لا اشعر بالألم عند احتكاك الجلد بالملابس بسبب الاصابات التي كنت أتعرض لها ،،، وهو ذات النجم الذي اعتاد أن يتبرع بمكافآته لحساب لجنة الايتام في النادي في لفتة طيبة تحسب له ،،،
نسأل الله التوفيق للكابتن جلال علي الذي ودع الملاعب في احتفال حضره بضعة الاف من الجماهير لم تكن بحجم تضحيات ذلك النجم الكبير في عطائه وتضحياته ،،،