بسام هارون*
أحلام جريئة، تلك التي دارت مع شخصية الراحل بسام هارون، المولود في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1944، والمعروف بابن الرياضة وأدق تعبيرا، ابن كرة القدم، التي عشقها منذ صغره، ودارت معها أحلامه، ليمارسها لاعبا بارعا في نادي الجزائر -القادسية سابقا-، ولعل الصدق والانتماء والجرأة والصراحة والقيادة، مكنته من كرة القدم، التي طوعها بفكر وأهداف واحلام طاردها بالجد والجدية والإرادة.
الراحل د.بسام هارون، صاحب الكاريزما الجدية والفولاذية، جعل من الكتاب صديقه، المعروف بشغفه الكبير للمطالعة، والتي زادت من مخزونه الثقافي، الذي كان يترجمه بالكلمة الجريئة بين قصاصات الورق التي كان يخبئها، ويدون عليها ملاحظاتها وأفكاره، حتى باتت له الصديق الصدوق في حواراته، وامتد بأحلامه نحو دراسة التربية الرياضية تخصصا أكاديميا، عبر رحلة علم إلى القاهرة منتصف الستينيات، وهنا تكونت شخصية الناقد والمحلل الجريء والصريح والمريح، ناهلا من المدرسة الإعلامية ونقادها، الكثير من الصفات التي التصقت بشخصية الإعلامي المبدع والممتع والمقنع فيما بعد.
وعاد الراحل د.بسام هارون من أرض الكنانة، متمكنا بالرياضة وفنونها، متخصصا بـ”الساحرة المستديرة” وجنونها، ليمتنها مدربا في عرين “الليث الأبيض”-النادي الأهلي، والذي تحت كنفه ذكريات لا تنسى من تاريخ النادي الأهلاوي، وانتقل منه في أواخر السبيعنيات الى بيت عشقه المجنون، في قلعة “الشياطين الحمر”-نادي الجزيرة، والذي فرّغ فيه الراحل هارون حبه الكبير، واعطى لفرقه الكروية من فكره المنير، وظل على علاقة وطيدة فيه وعديد الأندية المحلية، وهمه تقديم عصارة جهده لخدمة الكرة الأردنية.
وارتبط الراحل د.بسام هارون في شغف صاحبة الجلالة، وظل مشعلا متقدا بالحماس والعزيمة الوطنية، ليوقد بقلمه “نارا” تدفئ وطنه، وتريح ضميره وتفرغ عشقه إلى الكرة الأردنية، المعروف بثقافته الواسعة، وأفكاره الراجحة، وعباراته النقدية اللاذعة، تأثرا بالمدرسة الإعلامية المصرية، وتشكلت لديه القدرة على تطويع الكلمات، بموهبته وملكته الفطرية، والتي رسمت بريشة الألق، ألوان شخصيته الإعلامية، وقادته إلى الإبداع في بلاط صاحبة الجلالة، ليكتب على جدار العديد من المجلات والصحف، المواضيع ذات المصداقية والموضوعية والحيادية والرائدة واللاذعة.
في قلب “الرأي”
ما أروع أن تقرأ تفاصيل حياة الراحل هارون على لسان من عايشه وزامله، والذي ينقلك إلى الواقع وكأنك عايشه، حين قال رفيق دربه في بلاط “صاحبة الجلالة” الزميل رئيس الدائرة الرياضية سابقا في الرأي الاستاذ سمير جنكات: “كان للراحل هارون تأثير بليغ في مسيرة الإعلام الرياضي، وصفحات الرأي الرياضية، وانضم الراحل هارون إلى أسرة الرأي الریاضي في العام 1977، برفقة الراحل نظمي السعید وجریس عویس وأنا والراحل عبدالمنعم أبو طوق، وكان شخصا محبا للجميع، يحب زملاءه، ويعشق عمله بجنون، وله أسلوبه الخاص في السرد الإعلامي الذي تفرد به خلال مسيرته في الإعلام الرياضي، برع في النقد والتحلیل، وامتلك أسلوبا مشوقا في طرح المواضیع وعلاجها، وغالبا ما كان یتجنب المجاملة، ویتمتع بالجرأة الصادمة أحیانا، كان متأثرا بكبار النقاد المصریین الذین قرأ لھم خلال شبابه”.
وتابع جنكات: “ساھم الراحل هارون في إطلاق عدد من الألقاب على الأندیة مثل غزاة الشمال على فریق الحسین إربد، والتلامذة على الأهلي، والأكثر شیوعا الآن هو المارد الأخضر الذي أطلقه على الوحدات، وعنون به كتابه الذي أصدره قبل سنوات، بمشاركة مع الزمیل عثمان القریني، ویعد هارون أحد رواد حركة الصحافة الریاضیة الأردنیة الحدیثة، ورغم انه كان عضوا في رابطة الإعلام الریاضي، ومن ثم في اتحاد الإعلام الریاضي، إلا انه خرج بمحض إرادته من عضویة هيئته العامة، وذات مرة، تم منع الراحل بسام هارون من دخول الملاعب، فما كان منه إلا أن يشتري تذكرة ويجلس على مدرجات الدرجة الثالثة لتغطية المباريات للمحافظة على قلمه عند القراء، وفي أوائل الثمانینيات حزم الفقید أمره، وغادر إلى القاهرة لنیل شهادة الماجستیر، ومن ثم شهادة الدكتوراة، لكنه لم ینقطع عن عمله الصحفي وظل مراسلا صحفیا ریاضیا”.
الراحل الدكتور بسام هارون، الشهم والأب الحنون، وصاحب الأخلاق والنبيل والكريم، ويتذكر خصاله أحد زملائه قائلا:” ذات يوم أحضر هارون بقلاوة من النوع الفاخر، وبعد أن أكلنا معاً طلب مني إخفاء الباقي لتوزيعه على زملاء المساء وغادر، ولكن شغف الانانية جعلني أقوم بتناول باقي البقلاوة لوحدي، وفي اليوم التالي كنت أخشى الخجل من رؤيته حال اكتشف الحكاية، وفعلاً عاد ولم يراجعني ومرت على خير.. إنها صفات الطيب الكريم المتواضع، الأكاديمي بشعبيته الجارفة، حيث أكسبه تواضعه وسخونة قلمه محبة الناس، ولن أنسى أحداثا بسيطة تلخص الاشتياق للرجل، فقد كان يأتي من الجامعة الأردنية بعد أن يعطي محاضراته للطلاب ويذهب إلى محل حلويات لشرائها واحضارها لنا في الدائرة الرياضية، وعند وصوله ينادي عامل الكافتيريا يومياً بكلماته المعتادة “شوف الشباب شو يشربوا على حسابي”، ترجل الفارس عن جواده وأضاء الطريق وهاجر أبو ضياء الدنيا إلى دار الحق، وآلمنا رحيله منذ سنوات عجاف.. له الرحمة ولنا الصبر”.
الألمعي
وحين يذكر اسم الراحل د.بسام هارون، يكون للتميز والابداع العنوان الأبرز، صاحب القلم الذهبي والرأي الفولاذي والألمعي، عبر مسيرة رياضية وإعلامية وأكاديمية يصعب حصرها في كلمات، وبقي فيها الراحل هارون الرياضي اللامع، والصحفي البارع والأكاديمي الرائع، حيث عمل في النشاط الرياضي بالجامعة الأردنية، اثناء تولي الدكتور محمد خير مامسر مديرا للنشاط الرياضي، وكان الراحل هارون مدربا لفريق الكرة بالجامعة، وعندما انتدب مامسر لجامعة العلوم والتكنولوجيا، تسلم الراحل هارون مديرا للنشاط الرياضي، وترأس وفد المنتخب الجامعي لبطولة الجامعات العالمية التي جرت في رومانيا سنة 1981 بكرة السلة والكرة الطائرة، وشارك في بطولة العالم الجامعية التي اقيمت في المكسيك العام 1982 كرئيس للوفد الجامعي الأردني، الى جانب ترؤسه وفد الجامعة الأردنية بالعديد من البطولات التي شاركت فيها الجامعة الأردنية في العراق، لبنان، سورية ومصر، وتم انتدابه لدورة مدرب رماية في القوس والنشاب والترامبولين والتي جرت في العاصمة البريطانية لندن.
وللراحل هارون بصمات ما تزال ماثلة للعيان في تاريخ الكرة الأردنية، ونال شهادة التحكیم فيها، وعمل متطوعا في العديد من لجان اتحاد كرة القدم، وتولى مهمة مدير الدورة العربية التاسعة (دورة الحسين) في العام 1999، كما تولى منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية في اتحاد كرة القدم، وتم اختياره من قبل الاتحاد الآسيوي لكرة القدم عضوا في اللجنتين الفنية والمسابقات، وكان محاضرا آسيويا ومراقبا للمباريات خاصة تلك الحساسة منها، وكان مراقبا معتمدا للعديد من مباريات الاتحاد الدولي لكرة القدم خلال الفترة من 1991 ولغاية 2003، وأختير كثيرا في لجنة المسابقات بالاتحاد العربي لكرة القدم.
الأب “الدكتاتوري” الحنون
وبكلمات غزيرة الدموع في عيون أبناء الراحل د.بسام هارون، -من المراجع المهمة لهذا المقال-، جاء الوصف مليئا بالاشتياق ووجع الفقد، حين قال أحد ابنائه:” كان والدي الراحل د.بسام هارون-رحمه الله وأسكنه فسيح جناته-، الأب الدكتاتوري الحنون، جدي جدا، حازم، وصريح وجريء إلى أبعد الحدود، سيف الحق، وكان يوصل رسالته لأهل بيته ولزملائه بالعمل من خلال نظرات، لا يحب ان يتدخل أحد في أي من قراراته، ولا يحب ان يناقشه احد، دائم المطالعة، وفي جيبة قصاصات ورق، كلما تولدت لديه فكره، يخرج تلك القصاصات ليدونها، ويبني عليها قصة جديدة يرويها عبر الصحف.
وتابع:” عندما يعود للبيت بفوز في إحدى مباريات فريقه، تغمره السعادة، وتكون طلبات أهل البيت أوامر تلبى بالحال، والأجواء مثالية للحديث والنقاشات، اما في حالة عودته للبيت وفريقه خاسرا، فإنه لا يتحدث إلى أحد، ويجلس لبعض الوقت قبل ان يأوي الى فراشه، وكعادته يستيقظ باكرا، يؤدي صلاة الفجر ويمارس العابه الرياضة الخاصة، ويقوم باعداد القهوة ويتناولها مع الارجيلة على شرفة بلكونة بيته، وكان دائما ملازما للكتب والمجلات، أو من موضوع يجلس طويلا يكتب فيه قصة أو موضوع، لكنه بالوقت ذاته الأب الحنون الذي يسكن قلوبنا، وتتسلل حنايا عطفه من عنفوان شخصيته القيادية، والتي تكتشف عشقك لها بدون مقدمات وبدون الحاجة الى تفاعلات عاطفية، ويبقى لنا الفارس الذي لا يترجل، والقدوة التي تلألأ في السماء كالنجوم”.
وفي الذكرى الحادية عشرة لوفاة الراحل الدكتور بسام هارون، والذي انتقل الى جوار الرفيق الأعلى في السادس من آذار(مارس) العام 2009، رثاه أصغر ابنائه محمد بهاء بالقول:” رحم الله أبي، جنتي، وملاذي، وقدوتي، وعزوتي، ما زلت أتعلم منك، أستحضرك، أستدعي حكمتك، وأسمع صوتك الجميل ينادي ما حييت، وما زلت أخجل أن أنظر في عينيك الساحرتين، وما زلت أبتسم عندما ترمقني بنظرة باسمة، وما زلت أبحث كيف أرضيك، وما زلت معي.. في كل حين، 11 عاماً ونبض قلبك الكبير لا يفارق مسامعي.. ياما سمعته وأنا رابض فوق صدرك في استراحة العصر.. كنت تسرق دقائق للراحة قبل انطلاقتك المسائية، بينما أسترق أنا دفئك وعطفك، وشغفك، وأحفظ ملامحك، وأشبع من رائحتك، 11 عاماً وأنا أستند إليك، أعتمد عليك، وأريد أن أكبر في عينك، 11 عاماً في كل أيامها غيابك حضور، 11 عاما لا أشعر بالفخر إلا في حضرتك.. وأنت لم تغب”.
ورحل الرائع د.بسام هارون، تاركا أهله وابناءه الثلاثة، وسيرة ومسيرة رجل شجاع ووطني، تبوح برسائل ملؤها العطاء بسخاء ووفاء للوطن الذي أحب.–الغد