علي شعبان : عريس الدم..عصفور النار
رأفت سارة
في المشهد الختامي من فيلم ” Life of Pi – حياة باي ” يقوم الراوي “لعب دوره بامتياز عرفان خان ” بطرح سؤال على الشاب الامريكي الذي كان يستمع لقصة
اليافع الهندي “باتل باي” الذي تتحطم سفينة عائلتة المحملة بحديقة حيوانات متجهة من الهند الى فرنسا في عرض المحيط فيصارع الموت مع النمر ريتشارد باركر” ..”لو كنت مكاني كيف تروى القصة “؟
وأنا سالعب دور عرفان خان ولا أدري ان كان علي اختزال قصة علي شعبان بطريقة حزينة ام مفرحة؟
ولهذا – وعلى عكس المسلسلات العربية – اخترت ان ابدا بالبهجة لأقول ان عليا كان بطلا في العدو السريع 100 و200 متر في السبعينات وعلى هذا النحو سارت أحدث حياته الرياضية القصيرة .
فهو تدرج بسرعة البرق متنقلا بين اشبال وشباب ورجال الاهلي حتى بات اشهرهم في يومين فقط،،،حين سجل لهم هدفا دفع مهره غاليا “وبالدم والدموع” فجلب لليث الابيض لقبا ولنفسه نهاية حزينة لا تليق ب”رجل شجاع” اقترف ذنبا وحيداً هو التسجيل في مباراة نهائية وخطف لقب كامل .
علي المولود يوم 28/7/1956 امتهن التسجيل مع المراحل السنية ولمدرستي شكري شعشاعه وفلسطين بجبل عمان واشتهر هو وباسم مراد ومحمد نهار في الأوساط الكروية والتربوية خاصة حين سجل نحو 7 أهداف بشباك مدرسة النصر، ..لكن هدفا وحيدا كان من شأنه ان يقلب الموازين ؟
حدث ذلك في لحظة لا تنسى حين مرر له المدفعجي الانيق إحسان بسيوني كرة عرضية فاخذها من فوق عدنان مسعود وبكل هدوء غمزها على يسار نادر سرور فزغردت في شباك الفيصلي المهيمن على البطولات ،،وكان ذلك اخر مشهد مفرح في حياته الكروية وقد انتهى سريعا حين ركض تجاهه جميل عبدالكريم العبداللات و”قعد” فوق ركبته ممزقا ثلاثة من اربطته “فقط” ..فتغيرت الحياة كليا .
سمع ابوه تعليق المرحوم موسى نغوي على هواء الاثير الاردني – وكان اكثر شهرة من التلفزيون الذي لم يكن ينقل المباريات أيامها – فاتصل بالأم التي اخبرته بان لا علم لها عن الاصابه اكثر مما سمعا سويا .
فما كان منه – اي الاب – الا ان قفل مسرعا من القاهرة الى المنزل مساءا، فمدينة الحسين الطبية صبحا، ليتخذ من هناك قراراً حاسماً، يليق برجل حمل رتبة لواء متقاعد .
فقد رفض اقتراح الاطباء القاضي بحل مشكلة تمزق الاربطة الثلاثي بعمل عملية جراحية قد تجعل قدم علي اما قائمة على زاوية 90 درجة او 180 فقط ، ما يعني انه سيصبح اقرب لدمية خشبية !
رفض الاب الاقتراح وفي اقل من 48 ساعة كان يحلق بابنة في طيارة متجهة الى لندن وبرفقته ممرضة سهرت على راحتة ستة اشهر وعلى حسابه الخاص لتتابع ما قام به نطاسي بارع اعاد قدمة كما كانت، وليس كما تخيل مستر تريكي ولا الطبيب السويسري اللذين شخصا الإصابة وتخيلا الحل.
الحل الذي لم يعجب الاب ولا الابن الذي يدين لوالده بفضل البقاء في حانة الناس العاديين بدلا من “ذوي الاحتياجات الخاصة ” .
عاد علي من لندن وزار ستاد عمان لكن هذه المرة على عكازتين ليتابع فريقه وهو يلعب امام الرمثا ليفض حالة التعادل بهدفي عبدالمجيد سماره وحسونه يدج يوم 3/2 من العام 1978 حين سجل رفاق الامس جميل عبد المنعم3و38جزاءوعلي بلال44 ففرح وفرح اكثر بهتافات الجماهير التي لم ولن تنساه .
وهو لم ينسى كرة القدم وكان يتابع مباراة ريال مدريد وليجا وارسو بدوري المجموعات الاوروبية فيصل متحمسا الى شاشة التلفاز لكثرة الحماس والشغف بلعبة ،،كاد ان يعود لها ثانية ، لكن المدافع السوري برجكلي أعاده من حيث اتى، بعدما استدعي لتمثيل المنتخب الوطني واللعب امام العراق وسوريا فكانت النهاية التي لا نعرف بالضبط كيف ننهيها، على طريقة فيلم “حياة باي” مفتوحة على الحزن والفرح؟
أم على طريقة بطل مسرحية “عرس الدم ” للإسباني غارسيا لوركا التي ينتصر الحب فيها على الضعف والإنكسار؟
أم على طريقة مسلسل “عصفور النار” حيث يستبد الظلم في نفس البطل ويتفشى حتى يغرق المكان .
وربما من الأفضل ان تنتهي كما اعتاد علي شعبان بالقول ” لست فرحا ولست حزينا ، تلك مصائر وأقدار”!