صلاح غنام*
صلاح غنام، تعلم فن القيادة من مدرسة والده الراحل عمر غنام المعروف، ولم يعرف الفتى الحالم أنه يتنسم هوى عشق ناديه الذي أحب-الوحدات-، وهو يرافق والده “أبو أنور”، الذي كان يشغل صفة مراقب مركز شباب نادي الوحدات، حينما كان تابعا لوكالة الغوث، وكان مشواره برفقة والده الى النادي، من أسعد اللحظات في يومه، وبقي ملازما لوالده الذي تعاقب على عدة هيئات إدارية لنادي الوحدات، الذي غدا صرخا رياضيا اجتماعيا ثقافيا في قلب مخيم الوحدات، ومنتجا في المسيرة الرياضية الوطنية، وكبر ابو الوليد، وكبر فيه عشقه للعمل الطوعي واتقانه، وكبر فيه حب النادي الذي اتسعت رقعة جماهيرته، وطوفانه الجماهيري منذ السبعينيات، الذي رافق فريق الكرة بالنادي الى أولى البطولات الكروية 1980، وتشرب التضحية والعطاء بوفاء وسخاء، وهو الذي كان شاهدا على صفقات مهمة لفريق الكرة الوحداتي، كان يبرمها المرحومان والده وسليم حمدان، وتعايش مع وجود باسم تيم في بيته عندما كان والده يأتي به من سورية، ويعيده اليها بعد كل مباراة لفريق الوحدات.
“رسائل الفتى المشاغب”
الراحل صلاح غنام، خط لنفسه طريقا في الحياة، وها هو بعد مرور 7 سنوات على رحيله، يخط رسائل من تحت التراب، مليئة بالكفاح والتضحيات والمبادي، وهو المولود في الرابع والعشرين من آب (اغسطس) للعام 1972 في مخيم الوحدات، وما تزال تتذكره أزقة المخيم وشوارعه، وهو الذي تلقى تعليمه الإبتدائي والأساسي في مدارس “ابوبشار”، وتابع تعليمه للمرحلة الثانوية في مدرسة صلاح الدين الايوبي بالاشرفية، والتي اهدى منها عائلته فرحة النجاح بالثانوية العامة، ليتابع تعليمه في كلية الاندلس، وتخرج منها بدرجة الدبلوم في العلوم المصرفية تخصص محاسبة، وشق حياته بحثا عن ذاته، متمسكا بمبادئه وقوة حضوره ، كاسبا محبة كل من عرفه، ولم تثنيه صعوبة الحياة، ومرارة رحلة الكفاح فيها، عن ترك بصمته حيثما حل وارتحل، فتذوق حلاوة النجاح إعلاميا، وقيمته إنسانيا، وأغلاه اجتماعيا ووطنيا، وأحلاه وحداتيا.
وبقي لقب “الفتى المشاغب” يلازمه، ويظهر جليا في رسائله من جديد، وذلك لحدة موقفه وقوة طرحه وصراحته المعهودة، وخطه المستقيم المبني على المبادئ، وجرأته في تبني المواقف، ورجولته وشهامته وتمرده على المحاباة، وصاغ لنفسه منهجا خاصا بالحياة، وهو ما أهله قريبا من إدارات نادي الوحدات، على اختلاف أسمائها وطروحاتها، وإن كان تواجد فعليا في الهيئة العامة لنادي الوحدات العام 1990، بعد ان فتح باب العضوية التي اغلقت لسنوات تبعا لتقلبات “الحياة الديمقراطية”، لينضم الى جانب اشقائه، حيث نجح “أبو الوليد” في حفر اسمه بالتميز والإبداع ، إعلاميا مرموقا فيه، وإداريا بتوليه منصب مدير فريق الكرة الأول 2008، والذي ما تزال بصمته بصمته خالدة، في سجلات أول “رباعية” للوحدات في أرشيف الكرة الأردنية.
“صلاح .. رسائل الإبداع”
الراحل صلاح غنام، ما يزال يصيغ رسائل الإبداع، بكلمات كل صحفي حر وجريء وشريف، وهو الذي تتلمذ دروس مهنة المتاعب، في مدرسة عميد الإعلام العربي الراحل سليم حمدان، والذي كشف عن موهبة “أبو الوليد” الصحفية مبكرا، وتقدم صلاح غنام الى ميادينها ممتهنا العطاء واتقان فن الابداع، وأضافت اليه مشاركته “معلمه أبو السلم”، الاوقات العصيبة في اصدار صحيفة “الوحدات الرياضي” العام 1996، والتي ما يزال أرشيفها يحمل وسم صلاح، ورشاقة عباراته ومعين الثقافة الذي كان يغرف منه تحليلاته الرياضية، وأضافت زمالته في صحيفة “الميدان” الرياضي الاسبوعية، الخبرة التراكمية في ميدان الإعلام الرياضي، والذي قدمه سريعا إلى الكادر الصحفي الذي أسس الدائرة الرياضية لصحيفة “العرب اليوم” في أوج قوتها، وسار في رحلة جديدة من الإبداع على صفحات “الوحدات الرياضي” من جديد، وتسلم فيها منصب سكرتير التحرير.
ولعل رسائل الابداع تتنوع في مسيرة “ابو الوليد”، ففتح بابا جديدا للابداع في “قسم التحدي” لجريدة “الغد”، وكان ضمن قامات إعلامية، أسست القسم الرياضي في الصحيفة، ليواصل غنام رحلة الابداع فيها ضمن فريق تغطية الأخبار المحلية، وبعد سنوات أهلته خبرته لتغطية أخبار الرياضة العالمية، وبقي قلبا معلقا بالوحدات وكأنه الرئة التي يتنفس منها عشق الحياة، ليعود الى بيت حبه وبعد رحيل “حامي الذاكرة” سليم حمدان، ويتسلم منصب رئيس تحرير “الوحدات الرياضي”، وكتب كلمات باكية في رثاء الراحل حمدان “حامي الذاكرة”، وهو الذي بقي أسير المواقف الانسانية، لاسيما عندما خط على “شاهد” الحياة في جريدة “الغد”، في رثاء اللاعب الشاب مصطفى انور الذي غيبه الموت مبكرا، تحت عنوان “مصطفى انور يمتطي صهوة الريح ويكتب وصيته الأخيرة”، وباحت ايضا كتابات صلاح غنام في جريدة “الغد”، برسائل العطاء والوفاء للوطن بعشقه الوطني، عندما كتب “منتخبات وطنية يوحدها الانجاز وتتدلى فروعها من قمم الاماكن”، وبقي قلبه معلقا بالأهل في فلسطين، عندما كتب مع زيارة النجم الارجنتيني مارادونا الى فلسطين، تحت عنوان” مارادونا يوجه بوصلة قلبه نحو فلسطين.. وليغضب من يغضب”.
“غنام وسحويل…. رسالة وفاء”
لعل رحيل صلاح غنام المفاجئ، الذي ما يزال وجع غيابه يؤلم كل من عرفه، يحمل في طياته رسالة ولا أروع مضمونها الوفاء، عندما رحل الى جوار ربه في الخامس من آيار (مايو) 2013، برفقة رفيق دربه وصديقه محمد سحويل “أبو كفاح”، واللذين لم يفترقا عن بعضهما البعض بعد عن تعرفا خلال رحلتهما الدراسية في كلية الأندلس، وهما الصديقان الصدوقان، اللذان كتبا بحروف الوفاء، قصة اللقاء والوداع بلغة الوفاء والرجولة والشهامة ومواقف الرجال الرجال، وكما قصا قصة كفاحهما ونجاحمها، بالصبر والارادة والعزيمة رغم معترك الحياة الصعب، يرويان مع اقتراب الذكرى السنوية السابعة لرحيلهما، قصة الوفاء والتمسك بالمبادئ حتى الرمق الأخير من الحياة.
الراحل صلاح غنام، نستذكرك في “الغد” الغراء، مع اقتراب الذكرى السنوية السابعة على رحيلك، وأنت لم تمت فينا، وتجدد ذكرى رحيلك وجع غيابك فينا، وكأنك ترد في أعماقنا كما كنت حيا، من روائع الراحل درويش: “أنا من هنا وأنا هنا. وأنا أنا. وهُنا هُنا. إني أنا. وأنا أنا. وهنا أنا وأنا أنا. وهنا أنا. وأنا هنا. إني هنا. وأنا أنا”، لنرد عليك بكلمات الراحل درويش الذي عشقته: “كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة، وجدنا غريبين يوما، ونبقى رفيقين دوما، رفيقين نحن الى أن ينام القمر”.–الغد