مظهر السعيد*
شكلت ملامح شخصية الأستاذ مظهر السعيد، المدرب “والأب الروحي” لأغلب نجوم الكرة الأردنية، والذي عرف بشغفه بمعشوقته لكرة القدم لاعبا ومدربا، فضلا عن “كاريزما” الأب الحنون والإنسان، الذي يزرع بذور الموهبة بعد أن يراها، في أرض الإبداع الذي يبقى يرعاها، ويقدمها في عقد نجومية الكرة الأردنية، بصبغة وطنية هما العطاء بسخاء للأندية والمنتخبات الوطنية بكرة القدم.
الراحل مظهر السعيد، الذي ما أن طارد برفقة جيل عمره، وهو المولود في العاشر من شهر آذار (مارس) للعام 1942، كرة القدم بإبداع وإمتاع، بموهبة فطرية استثنائية قدمته الى “المستطيل الأخضر”، موهبة كروية وطنية تلمع بالمهارات، ليتقدم أقرانه الى صفوف النادي الاهلي، الذي بادله الحب بعشق الانتماء، والعطاء بدورب المستديرة، وهو لم يبلغ من العمر 18 عاما، ليبدع ويمتع كل من يراه، ودافع عن ألوانه بشراسة في نهاية الخمسينيات والستينيات، ونال من خلاله شرف تمثيل منتخب الوطن، الذي قدم فيه ورفاق دربه أروع الصفحات الوطنية للكرة الأردنية.
“الأستاذ” السعيد الذي بقيت كرة القدم تنام بالقرب من أحلامه، لم تثنيه الإصابة اللعينة بالركبة، وانهت مسيرته كلاعب يشار إليه بالبنان، من مواصلة مشواره مع “المستديرة”، والذي أكمله في حقل التدريب، متسلحا بالحب والجهد والكفاح، وهو الذي اعتزل الكرة لاعبا موهوبا، وأعطاها السنين من عمره مدربا، وتقدم صفوف أقرانه بوصفه أفضل المدربين الوطنيين في “زمانه”، وهو الذي عزز فكره فيها، بدورات تدريبية متقدمة، بدأها دورات تدريبية في اسبانيا من خلال أكاديمية اشبيلية الكروية، وعاد منها الى موطن عشقه، للنادي الأهلي مدربا، وقاده باقتدار إلى سدة الألقاب حين ونال معه لقبي الدوري مواسم 1975، 1978 و1979، وما لبث أن تركه مرغما على الاستقاله، للبحث عن الجديد في عالم تدريب الكرة، متوجها إلى ألمانيا، والتي عاد منها بالعام 1982، حاصلا على شهادة الاحتراف الدولية كمدرب والتي اختتمت في العام 1982.
“العميد” بالألقاب
“الأستاذ” مظهر، عميد المدربين الوطنيين، والذي زينه بعقد الإنجازات الكثيرة في قلعة “العميد” الفيصلاوي، وله سيرته ومسيرته التدريبية، دفعت رئيس نادي الفيصلي الراحل الشيخ سلطان العدوان، للتعاقد معه مدربا للنادي الفيصلي في سنوات ألقابه العجاف، وتحديدا بعد عودة الراحل مظهر من دورته التدريبية في ألمانيا، وكان “السعيد” بثقة النادي الفيصلي بقدراته التدريبية، والذي أعطي الصلاحيات الكاملة وقتها، فانطلق بمهمته “الزرقاء” بسلاح المواهب الشابة، مستغنيا عن اللاعبين كبار السن، ليقدم توليفة أذهلت المتابعين، وعشقته من جمالها الجماهير، فصار بها الى فجر الإنجازات المنير للفيصلي.
الراحل السعيد، ظل “سيمفونية” عشق على ألسن الجماهير الفيصلاوية، وحاز في أكثر من استفتاء، على المدرب الأفضل في تاريخ النادي، وهذا لم يأت من فراغ، فهو صانع المواهب والنجوم، والأكثر تتويجا مع “الأزرق” بالألقاب المحلية وأورعها في ميادين التنافس العربية، حين قاد فريق الكرة بالنادي الفيصلي إلى 34 لقبا بمختلف المسابقات المحلية، منها 12 لقبا بمسابقة الدوري اعوام 1983، 1985، 1989، 1990، 1991، 1992، 1993، 1994، 1999، 2001، 2003، 2004، و12 لقبا بمسابقة كأس الأردن، اعوام 1983، 1987، 1989، 1992، 1993، 1994، 1995، 1998، 1999، 2002، 2003 و 2004، وقاد الفيصلي إلى لقب كأس الكؤوس 6 مرات أعوام 1984، 1986، 1991، 1993، 1995، 1996، وتوج معه درع الاتحاد 4 مرات، أعوام 1991، 1992، 1997 وعام 2000، وقاده تميزه كمدب الى صولات وجولات مع المنتخبات الوطنية، وهو الذي حظي بتدريب المنتخب العسكري، والمنتخب الوطني الاولمبي، وكذلك منتخب الوطن الأول بكرة القدم، ويحظى السعيد بعلامة تدريبية مميزه بكرة القدم، والتي تمثلت بقيادته لقطبي الكرة الأردنية-الفيصلي والوحدات، حيث أشرف على تدريب فريق الوحدات بالموسم 1985، وقاده الى لقب كأس الأردن وقتها.
وعربيا، ما تزال بصمة الراحل السعيد التدريبية مميزة في أرشيف مشاركات الفيصلي العربية، لاسيما حينما قاده الى وصافة بطولة ابطال الكؤوس العربية، والتي أقيمت في عمان 1996، وكذلك قيادة “الأزرق” إلى وصافة بطولة النخبة العربية التي اقيمت في المغرب عام 1997، والذي ما تزال ذاكرتها تبوح، بالفوز الشهير لفريق الفيصلي على الرجاء البيضاوي المغربي بنتيجة 2-1، حيث كان الرجاء البيضاوي من أقوى المرشحين الى لقب البطولة أنذاك.
“القلب الكبير والكشاف الشهير”
ما تزال ذاكرة المدربين واللاعبين المحليين، تجود بأروع الجلسات التي ضمتها مع السعيد، وهو المعروف بالاستاذ صاحب القلب الكبير، لطيب أخلاقه وشهامته وأصالته ووفائه، وما تزال أروقة جبل الحسين تتذكره، حين يجالس النجوم من المدربين واللاعبين، لساعات طويلة ولا يتوقف فيها الحديث عن الكرة الأردنية، وكان بيته يؤمه الكثير من اللاعبين والمدربين، لاستشارته وهو الانسان الذي كان يقف بجوار الجميع، وما تزال الجموع تتذكر ملعب الكرة الذي كان يحتضنه بيته، ومدى الاشتياق الكبير لأروقة أندية الأهلي والفيصلي والوحدات، الذي كان لا يغادرها لساعات طويلة، ويعكف على اقامة تدريبات شخصية لبعض اللاعبين، والكثير من المدربين مدينون له، ويؤكدون بأنه صاحب الفضل لما وصولا اليه من نجومه في ملاعب الكرة الأردنية.
والراحل مظهر، الكشاف الشهير الذي كان دائم الترحال بين ملاعب المناطق الشعبية، ودوريات الكرة المدرسية، ينقب في مناجمها عن المواهب الكروية، والمعروف باصطياد امهرها في مختلف مراكز اللعب، ويرفد بها الأندية التي يدربها، ومضى الأستاذ المستشار في صناعة المواهب الكروية في أغلب الأندية الأردنية، وإن كان لا يدربها، تأكيدا على عشقه على خدمة الكرة الأردنية، من خلال أفضل المواهب التي قدمها للاندية، وشقت طريقها بإقتدار في صفوف المنتخبات الوطنية، وشاركتها محطات لا تنسى من حياتها الكروية.
ويؤكد المقربون من الراحل الأستاذ مظهر، بأنه يعيش لحظات غامرة من السعادة لأيام، بعد نجاحه في قيادة فريق الى سدة الألقاب، ويبدأ مغازلته اللقب لساعات عند عودته الى بيته، من دون ان تنسيه فرحة اللقب، الى تقليب صفحات أداء ونتائج ومستوى الفريق في جميع المباريات، ويفند السلبيات، ويؤكد على الايجابيات، ويقدمها في خطة تدريبية متكاملة الى مجلس إدارة النادي، للبناء عليها في قادم السنوات والاستحقاقات الكروية.
“الأستاذ” صانع الأجيال
ما تزال ابداعات الراحل السعيد، مدربا ومكتشفا ماهرا، ترتسم إلى يومنا هذا بالفخر على محيا الكثير من نجوم الكرة الأردنية، والتي تعترف بأن “الأستاذ” مظهر صاحب الفضل بعد الله عليها، في اكتشافها وتقديمها موهبة كروية نادرة إلى الكرة الأردنية، مما جعل صفة المكتشف وصانع الأجيال الكروية إلى يومنا هذا.
وقدم الراحل السعيد بخبرته وفكره وفطنته التدريبية، العديد من المواهب الكروية، التي توهجت في عقد المهارة الكروية على صدر الكرة الأردنية، وهو دائم البحث من المواهب، التي كان يقدمها في صفوف فرق الفئات العمرية الكروية بالنادي الفيصلي في كل موسم، وتبرز صناعة الراحل السعيد للأجيال الكروية، في مواهب النجوم كل من جمال ابو عابد، ميلاد عباسي، خالد سعيد، ناصر عبدالفتاح، عماد مسلم، حسن أمان، وتباعا كل من صبحي سليمان، موسى عوض، مهند محادين، عدنان عوض، جريس تادرس، ويعتبر لـ”الأستاذ” الفضل في استقدام مؤيد سليم من العراق، وسامي السعيد من الرمثا إلى صفوف الفيصلي.
ورحل الأستاذ مظهر السعيد، القامة التدريبية الوطنية في يوم الثلاثاء الموافق العاشر من كانون الأول (أكتوبر) للعام 2017، عن عمر يناهز 75 عاما، قضى أكثر من نصفها في خدمة الكرة الأردنية لاعبا ومدربا، وما تزال الأجيال الكروية تترحم حين تهب ذكرى “السعيد”، في القلوب العاشقة لشخصه، مستذكرة ما نهلت من نبع عطائه، الكثير من رسائل الوفاء للكرة الأردنية.–الغد